العصفوران الصغيران

بدأت أول أيام الشتاء الباردة وفي إحدى البساتين الواسعة تواجدت شجرةُ زيتونٍ كبيرةٍ في السن بدا عليها التعب وكانت ضخمةً و لا تبدو بأنها قادرة على مجابهة رياح الشتاء الباردة والتقى عليها عصفوران صغيران كانا يتبادلا أطراف الحديث والنقاش فقال الأول وكان ذو لونٍ وردي جميل : إني أشعر بمللٍ شديد , كلما حل الشتاء ننتقل من مكانٍ إلى آخر , لماذا لا يكون لدينا مأوى واحد بدون تنقلٍ ولا تعب؟
فقال له العصفور الثاني بسخرية وكان ذو لونٍ أزرقَ بديع :أنت حقاً تحب أن تتذمرَ بشكلٍ كبير! لماذا تعترض على ما أنت عليه؟! لقد خلقنا الله لنرتحل من مكانٍ إلى آخر وأوطاننا مؤقتة ولكن هذا أمرٌ جميل وأنا أحب كوني عصفوراً يطير بجناحيهِ بكلِ حرية!
فقال العصفور الوردي بضيق : أنا أحب الاستقرار يا صديقي وأملّ من الذهاب والسفر الطويل ولكم أتمنى أن أجلس لبعض الوقت بدون تحركٍ ولا أن أطير.. ثم صمتَ ونظر إلى الشجرة التي يقف عليها وأكمل : أنظر إلى هذه الشجرة .. إنها كبيرةٌ في السن ويبدو بأنها بقت في مكانها لوقتٍ طويل .. يا لها من محظوظة! أعتقد بأنه لو حاول أحدهم نقلها إلى مكانٍ آخر فستموتُ من الشوق والحنين لمكانها الأصلي!
فقال العصفور الأزرق بتعجب : أنت عصفورٌ غريب ! أنت لستَ بشجرةٍ يا صديقي! إن الجميع يحلم بالطيران وأنت لست مقتنعاً بنفسك! احمد الله أنك تستطيع الطيران بكل حرية ورؤية الأرض والجبال والأنهار والبحار والبساتين الجميلة ,نحن بنعمةٍ كبيرة ولدينا ميّزةٌ رائعة يتمناها الكثير فأشكالنا جميلة و أجنحتنا هي التي توصلنا إلى أي مكانٍ نريد بإذن الله فما بالك تعترض وتشتكي ؟! إن أمركَ عجيب!
فقال العصفور الوردي :أنا أفهم ذلك يا صديقي وأعرف كم نحن بنعمةٍ كبيرة ولكني أتمنى أن يكونَ لي وطنٌ واحد ولا أعتقد بأنك ستفهم ما أفكر فيه ..
رد عليه العصفور الأزرق بجوابٍ مقنعٍ ولطيف : انظر يا صديقي إلى ما حولك .. إن وطننا هو كل هذه الأرض! نذهب من مكانٍ إلى آخر في وطننا الواحد ! نعم إن الأرض هي وطننا نحن العصافير والأشجار نبني عليها الأعشاش وهي منازلنا ولدينا أكثر من منزل في هذا الوطن ,ألا تعتقد بأن هذا أمرٌ جميل ؟
ابتسم العصفور الوردي وبدا بأنه قد اقتنع بكلام صديقه العصفور الأزرق.
وعندما كان النقاش ينتهي رأى العصفور الأزرق سحابةً سوداء قادمة تدل على قدوم عاصفةٍ قوية فقال محذراً لصديقه : هيا لنغادر الآن قبل قدوم العاصفة ! علينا الإسراع فقد تأخرنا بسبب هذا النقاش !
فقال العصفور الوردي ببرود :ما رأيك لو نبقى على هذه الشجرة ونستقر بها فيبدو بأنها قوية وتتحمل العواصف.
غضب العصفور الأزرق وقال: ألم ننتهي من هذا النقاش منذ قليل ؟ أنت حقاً عنيد!
كانت الشجرة تستمع إلى النقاش وفي النهاية غضبت بسبب عدم انتهائه فقامت بتحريك أغصانها بقوة وهدرت مثل العاصفة ,فشعر العصفوران برعبٍ شديد وانطلقا يطيران مسرعين ليلحقا بسربيهما.